ناشطة موريتانية: حقوق النساء ليست شعارات جوفاء بل نضال مستمر لا يهدأ
في موريتانيا، كما في العديد من البلدان المحافظة، تخوض النسويات معركة مزدوجة، مقاومة القيود الثقافية والاجتماعية من جهة، والمطالبة بإصلاحات قانونية تضمن الكرامة والحقوق من جهة أخرى.
حنان حارت
المغرب ـ تعد الناشطة النسوية الموريتانية السالكة احميده من أبرز الأصوات النسوية التي تنشط في الأحياء الشعبية، تسلط الضوء على واقع النساء المهمشات، مؤكدة أن التضامن النسوي بات ضرورة لمواجهة التمييز والعنف.
من الوعي إلى الفعل
تقول الناشطة النسوية الموريتانية السالكة احميده، إن انخراطها في النضال بدأ مع انتقالها إلى العاصمة نواكشوط، حيث التحقت بالجامعة وتعرفت على أول حركة نسوية مستقلة في موريتانيا، وهي حركة "تكلمي" التي تأسست عام 2012، رغم أنها لم تكن من بين المؤسِسات، إلا أن التجربة شكلت منعطفاً حاسماً في وعيها الحقوقي.
وأوضحت أنه "بدأتُ أدرك أن المعاناة ليست فردية بل جماعية، وكنت أشعر بتمييز ضد النساء لكن بدون أدوات واضحة للنضال، في الجامعة، قرأت الأدبيات النسوية، ومنها انطلقت إلى العمل الميداني".
من هذا الوعي، أسست السالكة احميده جمعية "التقدم لرفاه المجتمع" وساهمت في إنشاء ائتلاف "أصوات النساء"، الذي يضم ناشطات نسويات يسعين لتبادل الخبرات وبناء وعي جماعي بقضايا النساء، خاصة في الأحياء الهامشية.
فراغ قانوني وعدالة غائبة
وترى أن النساء في موريتانيا يواجهن عنفاً ممنهجاً يتغذى من الفقر والجهل والعادات الضارة، مثل ختان الإناث، الذي ما زال يمارس رغم تجريمه قانونياً.
وأضافت "نجحنا في منع بعض الحالات من خلال التوعية والضغط المجتمعي، لكن غياب الصرامة في تطبيق القوانين يسمح باستمرار هذه الممارسة في الخفاء"، مشيرة إلى أن بعض النساء البالغات يرغمن على الخضوع للختان تحت ضغط الأزواج.
كما أوضحت أن وفيات الأمهات أثناء الولادة ما تزال مرتفعة، ما دفع جمعيتها لتوسيع نشاطها ليشمل التثقيف الصحي والصحة الإنجابية، والعمل على توعية النساء بمخاطر الممارسات التقليدية الضارة.
وتنتقد السالكة احميده ضعف المنظومة القانونية، قائلة إن القانون لا يعرف بشكل واضح أشكال العنف ضد النساء، كالتحرش والاغتصاب، حيث تعامل بعض حالات الاغتصاب كـ "زنا"، ما يحمل الضحية مسؤولية ما تعرضت له.
وفي حالات العنف الزوجي، غالباً ما تدفع النساء للقبول بالصلح، وهو ما تعتبره تقويضاً لحق الضحايا في العدالة.
أما الزواج المبكر، بينت أن القانون لا يحدد سناً واضحة، حيث يمكن تزويج الفتيات ابتداءً من سن 13 عاماً تحت ذريعة "المصلحة"، وهي صيغة فضفاضة تُستخدم لتبرير انتهاكات عديدة.
التمكين الاقتصادي كمدخل للحماية
وتسعى جمعيتها إلى الجمع بين التمكين الحقوقي والاقتصادي، من خلال تنظيم دورات مهنية لفائدة النساء، بهدف تعزيز استقلاليتهن المادية، ما يعتبر شرطاً أساسياً لمواجهة العنف والتمييز، بحسب قولها.
وبينت أن "غياب القوانين هو أحد أبرز الإشكالات، لكن المشكلة الأعمق تكمن في العقليات التقليدية التي تبرر العنف، وتحارب التغيير باسم الدين أو العرف".
رغم التحديات، ترى السالكة احميده أن هناك تضامناً نسوياً متنامياً، خاصة في الأحياء الهامشية، حيث تؤسس النساء فضاءات آمنة للنقاش وتبادل الدعم بعيداً عن الأحكام الاجتماعية، وتقول "هذه الجلسات تخلق أفقاً جديداً للتغيير، حيث تتحدث النساء عن حقوقهن دون خوف أو وصم".
تحديات إقليمية مشتركة
وأشارت السالكة احميده إلى أن ما تواجهه النساء في موريتانيا لا يختلف كثيراً عما تعانيه نساء دول المنطقة، من عنف ثقافي، وزواج قسري، وتهميش قانوني.
ورغم تباين الأولويات بين الحركات النسوية في الدول المغاربية والإفريقية، أكدت أن التعاون وتبادل الخبرات بين النسويات يعد ركيزة لتجاوز العقبات.
وتبرز في هذا السياق مبادرات محلية، مثل حملات التوعية على وسائل التواصل الافتراضي، وجلسات الدعم النفسي والاجتماعي، التي تهدف إلى كسر التابوهات المرتبطة بالحيض والصحة الإنجابية.
وأوضحت أن أكبر التحديات ليست قانونية فقط، بل ذهنية، إذ تقف وراءها جماعات محافظة تناهض الإصلاح النسوي بدعوى تعارضه مع الشريعة.
وتعتبر أن وسائل التواصل الافتراضي باتت سلاحاً مهماً للنساء لتجاوز الهيمنة الإعلامية التقليدية، وإسماع أصواتهن خارج الإطار الرسمي.
رسالة أمل ومقاومة
ووجهت الناشطة النسوية السالكة احميده دعوة إلى الشابات في موريتانيا والمنطقة "الوعي بالحقوق والكينونة هو مفتاح الحرية، أوصي الشابات بالصبر والإصرار، فالواقع يمكن تغييره، والنضال ليس ترفاً، بل ضرورة".
وأكدت أن "حقوق النساء ليست شعارات جوفاء، بل وعي عميق يتطلب نضالاً متواصلاً، وتضامناً عابراً للطبقات والمواقع، لأن لا أحد في مأمن من الانتهاكات حين تغيب العدالة".